سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا} في المقول لهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: المنافقون، قاله مجاهد، وابن زيد. وفي القائلين لهم قولان:
أحدهما: أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، ولم يعيّن أحداً من الصحابة.
والثاني: أنهم معينون، وهم سعد بن معاذ، وأبو لبابة، وأسيد، ذكره مقاتل.
وفي الإِيمان الذي دعوا إليه قولان:
أحدهما: أنه التصديق بالنبي، وهو قول من قال: هم اليهود. والثاني: أنه العمل بمقتضى ما أظهروه، وهو قول من قال: هم المنافقون.
وفي المراد بالناس هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: جميع الصحابة، قاله ابن عبَّاس.
والثاني: عبد الله بن سلام، ومن أسلم معه من اليهود، قاله مقاتل. والثالث: معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وجماعة من وجوه الأنصار، عدهم الكلبي. وفيمن عنوا بالسفهاء ثلاثة أقوال. أحدها: جميع الصحابة، قاله ابن عبَّاس. والثاني: النساء والصبيان، قاله الحسن. والثالث: ابن سلام وأصحابه، قاله مقاتل. وفيما عنوه بالغيب من إِيمان الذين زعموا أنهم السفهاء ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم أرادوا دين الإِسلام، قاله ابن عباس، والسُّدي. والثاني: أنهم أرادوا البعث والجزاء، قاله مجاهد. والثالث: أنهم عنوا مكاشفة الفريقين بالعداوة. من غير نظر في عاقبة، وهذا الوجه والذي قبله يخرج على أنهم المنافقون، والأول يخرج على أنهم اليهود. قال ابن قتيبة: والسفهاء: الجهلة، يقال: سفه فلان رأيه إذا جهله، ومنه قيل للبذاء: سفه، لأنه جهل. قال الزجاج: وأصل السَّفه في اللغة: خفة الحلم، ويقال: ثوب سفيه: إِذا كان رقيقاً بالياً، وتسفهت الريح الشجر: إذا مالت به. قال الشاعر:
مشين كما اهتزت رماح تسفَّهت *** أعاليَها مرُّ الرياح النواسم
قوله تعالى: {ولكنْ لا يعلَمون}.
قال مقاتل: لا يعلمون أنهم هم السفهاء.


اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما: أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه. قاله ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في المنافقين وغيرهم من أهل الكتاب الذين كانوا يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان ما يلقون رؤساءهم بضدّه، قاله الحسن.
فأما التفسير: ف {إلى} بمعنى مع كقوله تعالى: {من أنصاري إِلى الله} أي: مع الله. والشياطين: جمع شيطان، قال الخليل: كل متمرّد عند العرب شيطان. وفي هذا الاسم قولان. أحدهما: أنه من شطن، أي: بعد عن الخير، فعلى هذا تكون النون أصليَّة.
قال أميَّة بن أبي الصَّلت في صفة سليمان عليه السلام:
أيما شاطنٍ عصاه عكاه *** ثم يُلقى في السّجن والأغلال
عكاه: أوثقه. وقال النابغة:
نأت بسعاد عنك نوىً شطون *** فبانت والفؤاد بها رهين
والثاني: أنه من شاط يشيط: إِذا التهب واحترق، فتكون النون زائدة. وأنشدوا:
وقد يشيط على أرماحنا البطل.
أي: يهلك.
وفي المراد، بشياطينهم ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم رؤوسهم في الكفر، قاله ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، والسّدي. والثاني: إِخوانهم من المشركين، قاله أبو العالية، ومجاهد. والثالث: كهنتهم، قاله الضَّحاك، والكلبي.
قوله تعالى: {إِنا معَكمْ}
فيه قولان. أحدهما: أنَّهم أرادوا: إنا معكم على دينكم. والثاني: إِنا معكم على النصرة والمعاضدة. والهزء: السخرية.


قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم}
اختلف العلماء في المراد، باستهزاء الله بهم على تسعة أقوال.
أحدها: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار، فيسرعون إليه فيغلق، ثم يفتح لهم باب آخر، فيسرعون فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون. روي عن ابن عباس.
والثاني: أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النَّار لهم كما تجمد الإِهالة في القدر، فيمشون فتنخسف بهم. روي عن الحسن البصري.
والثالث: أن الاستهزاء بهم: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} [الحديد: 13] قاله مقاتل.
والرابع: أن المراد به: يجازيهم على استهزائهم، فقوبل اللفظ بمثله لفظاً وإن خالفه معنى، فهو كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا *** فنجهلَ فوق جهل الجاهلينَا
أراد: فنعاقبه بأغلط من عقوبته.
والخامس: أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم، والتجهيل، فمعناه: الله يخطئ فعلهم، ويجهلهم في الإقامة على كفرهم.
والسادس: أن استهزاءه: استدراجه إياهم.
والسابع: أنه إيقاع استهزائهم بهم، وردّ خداعهم ومكرهم عليهم. ذكر هذه الأقوال محمّد بن القاسم الأنباري.
والثامن: أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل: {ذق إِنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] ذكره شيخنا في كتابه.
والتاسع: أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة، كان كالاستهزاء بهم.
قوله تعالى: {ويَمدُّهُمْ في طغيانهم يعمهون}
فيه أربعة أقوال. أحدها: يمكِّن لهم، قاله ابن مسعود. والثاني: يملي لهم، قاله ابن عباس. والثالث: يزيدهم، قاله مجاهد. والرابع: يمهلهم قاله الزجاج.
والطغيان: الزيادة على القدر، والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة، يقال: طغى البحر: إذا هاجت أمواجه، وطغى السيل: إذا جاء بماء كثير. وفي المراد بطغيانهم قولان. أحدهما: أنه كفرهم، قاله الجمهور. والثاني: أنه عتوهم وتكبرهم، قاله ابن قتيبة و{يعمهون} بمعنى: يتحيرون، يقال: رجل عمه وعامه، أي: متحير.
قال الراجز:
ومَخْفَقٍ من لُهلُهٍ ولُهْلُهِ *** من مهمهٍ يجتبنه في مهمه
أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه ***
وقال ابن قتيبة: يعمهون: يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8